إقرأ المقال في الأخبار

حصّة قرداحي والبطريركيّة وشركة تضمّ رجال أعمال ووزراء أرمنيين تشكّل ٪٣٠

في العقار 642/جبيل الذي تملكه كاثوليكوسيّة بيت كيليكيا للأرمن الأرثوذكس، وعلى مساحة تبلغ حوالى 24 ألف متر مربّع مطلّة على البحر، 4 آلاف منها مصنّف أثرياً، وتحت المساحة المتبقيّة منه حيث تفيد الدراسات عن وجود المرفأ الفينيقي، قرّر الكاثوليكوس آرام الأول تأجيرها للوزير السابق جان لوي قرداحي لبناء منتجع منتجع خاص تعدُّ أرض ميتم “عش العصافير” من البقع الساحليّة القليلة التي لم تفترشها المجمّعات السياحيّة في جبيل. لكن قد لا تبقى “عصيّة” لمدّة طويلة، أقلّه إلى حين استحصال مالك العقار (كاثوليكوسيّة الأرمن) ومستأجرها (الوزير السابق جان لوي قرداحي) على موافقة الأونيسكو لإكمال أعمال منتجع النادي الديبلوماسي. شكّل العقار المذكور، الذي وهبته جمعيّة دانماركيّة إلى الكاثوليكوسيّة عام 1967، ملجأ للأرمن منذ عام 1920 عندما استقبل أكثر من 4آلاف يتيم ناجٍ من مجازر التطهير العرقي في السلطنة العثمانيّة. يقع بمحاذاة التلّ الأثري وتبلغ مساحته 31 ألف متر مربع، ينقسم إلى جزء علوي غير مؤجّر بمساحة 7 آلاف متر ويضمّ مدرسة وميتماً ومبنى قديماً. وجزء سفلي ساحلي مؤجّر مساحته 24 ألف متر، 4 آلاف منها محاذيّة للتلّ الأثري وتضمّ مدافن خاصّة لناجين من المجازر وأيتام، إضافة إلى مبنى النيكوهول الذي شيّد عام 1921 ويتضمّن   مسرحاً وكنيسة القديسة كايانيه تمهيداً لتنفيذ المشروع، أنشأت الكاثوليكوسيّة متحفاً للأيتام مكان المبنى القديم، واستحدث قربه حفرة بغية تحويلها مقبرة جماعيّة سيُنقل إليها الرفات من المدافن. وبوشرت أعمال ترميم الكنيسة التي ستتحوّل مطعماً وسبا، على أن تبني أخرى بديلة تقدّر تكلفتها بمليون دولار

استثمار للبطريركيّة والوزراء الأرمن

المشروع بحسب إعلانات الصحف الأرمنيّة عبارة عن منتجع عائلي ورياضي، وضع خطوطه الهندسيّة المرشّح على لائحة “بيروت مدينتي” سيرج يازجي. لكن وفق الخرائط الأوليّة التي نشرها المهندس التصميمي محمود غلال، سيتضمّن شاليهات ومسابح يستفيد منها أصحاب الاشتراكات الخاصّة، إضافة إلى احتوائه على مطعم وسبا وقاعات كبيرة لإقامة الحفلات عامل الاستثمار في العقار لا يتخطّى الـ20%، ما يبرّر وجود المنشآت الجاهزة ضمن التصاميم الأوليّة، ويرفع احتمال اللجوء إلى مرسوم المشاريع الكبرى لاستحداث منشآت ستهدّد حتماً المعالم الأثريّة بحسب معلومات “الأخبار” تبلغ مدّة الإيجار 10 سنوات قابلة للتجديد، يصل حجم الاستثمار إلى 12 مليون دولار، حصّة قرداحي والكاثوليكوسيّة وشركة تضم رجال أعمال ووزراء أرمنيين 30%، على أن تعرض الأسهم الباقية للاستثمار. يضمّ مجلس الإدارة خمسة أعضاء يمثلون المستثمرين كافة، من ضمنهم الوزير أرتور ناظاريان، ممثل الكاثوليكوس، الذي يملك وحده حق الفيتو. فيما ينصّ العقد على إعطاء الأولويّة في التوظيف والاستثمار للأرمن

حرمان العامّة من أملاكهم

صنّف التخطيط المدني 4 آلاف متر من الجزء السفلي (حيث المدافن) بنفس تصنيف التلّ الأثري، فتحوّل أملاكاً عامّة وحقل حفريات أثريّة خاضعاً لسلطة المديريّة العامّة للآثار. كما أن الدراسة التي أفرجت عنها الباحثة مارتين فرنسيس تؤكّد وجود المرفأ الفينيقي في العقار، والذي تكمن أهميّته بمساهمته في بناء المدينة بفعل التبادل التجاري مع مصر، فعمره 4 آلاف سنة، ويمتدّ على مسافة 12 ألف متر بمعدل عمق وسطي 3 أمتار، وهو أكبر مرافئ المتوسط في تلك الحقبة التاريخية

بالنسبة للقائمين على المشروع “يشكّل الحفاظ على خصوصيّة العقار الهاجس الأوّل”، باعتبار أنهم لم يتعدوا على الشاطئ، وحرصهم على وضع طبقة بحجم 13 ألف متراً مكعباً تحت المسابح التي ستستحدث لحماية الآثار لم يستحصل المشروع على أية رخصة بعد، أولاً لوجود قرار قضائي بوقف أعمال نقل الرفات من المدافن، وثانياً لانتظاره موافقة الأونيسكو، فالأرض أثريّة والدراسات الجديدة تحتم التعامل معها بطريقة مختلفة، وهو ما ألزم قرداحي “دفع 200 ألف دولار لإنجاز الدراسات بأسرع وقت ممكن”. رغم ذلك، جاري العمل على ترميم الكنيسة تمهيداً لتحويلها إلى مطعم نُشرت تصاميمه الأوليّة، فيما يشير مكتب قرداحي إلى أن “المشروع مازال في طور الدراسة والأعمال متوقفة، وما من تصميم نهائي بانتظار قرار الأونيسكو”. بحسب مصادر وزارة الثقافة هناك ثلاث احتمالات لقرار الأونيسكو المنتظر؛ إمّا تحويل العقار إلى أملاك عامة نظراً لقيمته التاريخيّة، أو حماية العقار لمدّة قد تصل إلى سنتين لاستكمال أعمال الحفر، أو إكمال العمل في المشروع بالتزامن مع إتمام الدراسات. فيما يرى القائمون على المشروع أن “اكتشاف مرسى المرفأ أو أية آثارات أخرى سيشكّل قيمة مضافة إليه، على أن تكون زيارة المعالم متاحة للعموم”. علماً أن إسقاط الدراسة الأثريّة على التصاميم الأوليّة تبيّن أن حوض المرفأ وآثاره، ستكون ضمناً داخل المنتجع المتاح حصراً لأصحاب الاشتراكات الخاصّة

أنقذوا إرثنا الثقافي

هذه الوقائع دفعت إلى إطلاق حملة “حماية ميتم عشّ العصافير” التي تضمّ شخصيّات معروفة في المجتمع الأرمني، بسبب “عدم الشفافيّة في التعاطي مع المشروع الذي نكروا وجوده بداية، ولادعائهم عدم وجود كنيسة تؤكّد الإفادة العقاريّة وجودها”. تسأل الحملة عن “النفع من إزالة مدافن ناجين من الإبادة وتحويلها إلى باحة لإقامة الحفلات، وتدمير جزء من الإرث الثقافي لإنشاء منتجع سياحي خاصّ”. لهؤلاء حججهم؛ أولاً كون جزء من تلك الأرض مصنّفاً أملاكاً عامّة. ثانياً لأن نقل رفات ناجين من المجازر من مدافن خاصّة إلى مقبرة جماعيّة لا ينمّ عن احترام لرمزيّتهم، وثالثاً لأن تحويل كنيسة قديمة إلى مطعم، بعد أن كانت لأكثر من تسعين عاماً دار العبادة الوحيد لأرمن جبيل، هو مسّ بتاريخهم. لا يلومون الكاثوليكوس إنما لجنة الأملاك والأوقاف التي قدّمت توصيات بالمشروع، ويسألون عن الغاية من تحويل مبنى خُصّص للأيتام والخدمة العامّة إلى مشروع ذات منفعة خاصّة وآنية ستلحق ضرراً بمعالم أثريّة. ويطالبون بوقف المشروع وإكمال عملية البحث عن المرفأ، بدل الإمعان بالتعدّي على التاريخ والإرث الثقافي. تغض المديريّة العامّة للآثار النظر عن رمزيّة المدافن في أرض تقع تحت سلطتها، رغم أنها استُحدثت قبل انتقال ملكيّة الأرض إلى الكاثوليكوسيّة، ويجزم مديرها العام سركيس خوري أن “نقل الرفات شأن ديني”، ورداً على إمكان استملاك الأرض وتحويلها ملكاً عاماً، يؤكّد “انتظار قرار الأونيسكو”. فيما يرى خاتشيك دديان، مدير مكتب الكاثوليكوس، أن كلّ ما يُحكى عن مرافئ أثرية هو “مجرّد فرضيّات هدفه التحريض”. يستغرب السكوت عن مشاريع في أراضي مجاورة تملكها مرجعيّات دينيّة أخرى فيما يصوّب على مشروعهم، ويؤكّد أن الكاثوليكوسيّة بحاجة إلى تمويل “فنحن نسعى لإنشاء مؤسسات وتغطية تكاليف المدرسة من مردود المشروع”. أمّا فيما يتعلّق بالمدافن فهناك “حرص على إنشاء المتحف ليكون محجاً، ووضع نصب لمؤسّسة الميتم وبجانبه رفات الأيتام والناجين بدل تركهم في بقعة لا يزورها أحد”. يرفض اعتبار المدافن إرثاً ثقافياً أو الاعتراف بوجود كنيسة، مشيراً إلى أن “عملية نقل المدافن تتمّ في كلّ الطوائف، والمبنى الذي يقال أنه كنيسة كان عبارة عن صالة للأكل، وأن رأي شخص لا يجوز أن يلزم الأكثريّة